الخميس، 10 يناير 2013

بأية ثقافة؟



بأية ثقافة؟ :

وحينما نتكلم عن الثقافة الإسلامية اليوم فإنا لاناخذها محايدة عن باقي الثقافات، فكل ثقافة بانية فهي من الإسلام ، لكن نتحدث عن أزمة المثقف المسلم وأزمة الثقافة الحركية باسم الإسلام..بينما تبقى ثوابت ثقافتنا ثابتة في المزج بين المنقول والمعقول :
وإن كان المنقول اليوم سليما بمستواه القرآني فإنه ليس بمثل هاته السلامة في نصوص الحديث، مما جعل البعض منا لايقبل إلا الحديث المرتب صحيحا بالقواعد الفقهية ليدير ظهره لكل حديث لم تكتمل فيه شروط هاته الصحة.. وجعل البعض يقزم الصحيح فقط في « صحيح البخاري »ولا يقبل أي حديث مصنفا دون الصحيح مهما ثبتت حكمته..وهاته إشكالية اولى من الواجب البحث في حل فقهي لها..
في حين تبقى الأزمة الكبرى في فهمنا للثقافة الإسلامية :
ـــ هل نعني بها الثقافة الدينية النصية التي تعتمد على حفظ المنقول فقط؟
ــ أنعني بها كل الفكر الإسلامي؟
ــ أم هي كل ثقافة لاتتصادم مع الإسلام؟
في حين أن الثقافة الإسلامية الحقة هي التي تجمع بين النسب الثلات :فكل معقول لايصادم المنقول فهو ثقافة حقة، والحفاظ على المنقول فرض كفاية، ولا تكتمل ثقافة المسلم ما لم يكن تفكيره حقا مسلما..مما يرمز للإعتماد حقا على الفكر الإسلامي كله لبناء فكر المسلم..مما يرمز نسبيا إلى وظيفة التثقيف في المذهبية الإسلامية :
وتلك خاصية يجب أن تكون شاملة لا جزئية تهتم بميدان دون الآخر، فكل حركات وسكنات المسلم الحق إلا ووراءها عبادة..وما دامت ثقافتنا عبادة فإن الثتقيف يجب أن يشمل كل ما يهتم به الإنسان :ففي كل قضية للإسلام فيها كلمة.. وكل مشكل إلا وللإسلام له حل أو حلول :وهذه خاصية ينفرد بها الإسلام عن سائر الديانات،وكل ثقافة لاتسعى لمثل هذا الشمول فهي قاصرة في الإسلام، وتعبر فقط على وجهات نظر من زاوية المجتهدين بها..بينما يبقى التميز الحقيقي للنص الديني الإسلامي هو تعانقه الحار مع كل العلوم الحقة ..ولهذا يمكن الحديث عن ركيزتين للثقافة الإسلامية وهما
ـــ النص الديني ــــ الحقائق العلمية
وهذين الساقين ميزتان للإسلام وحده لأن جل نصوص الديانات الأخرى محرفة، ومعظم الديانات اليوم تميل إلى الخرافة والكهنوت وتطمس العقل وتحارب العلم ..فاستنباط هاته الثقافة إذن يدعو إلى إنزال الآيات والأحاديث على الواقع بكل علمية ..والفكرة العلمية الحقة هي التي توحد الرِؤى وتلم الإختلاف في نسق واحد غير متضارب :لأنه إن وجب الإختلاف علميا في مسألة فهذا يعني صحة العديد من الإجتهادات ،وقد صدق من قال :
« الصواب يتعدد لكن الحق واحد »
ففرق إذن بين الفكرة الصائبة والفكرة الحقة التي هي الفكرة الأصوب..والصواب يمكن أن لا يتميز بالعلمية بينما لا يجوز للأصوب أن يفتقر لشرط من شروطها ..مما يخلصنا من مشكل الإجتهادات الجزئية التي يرى فيها المجتهد
ــــ إما أن رأيه هو الأصوب مهما خالفه الآخرون
ــــ وإما يرى أن اختصاصه أقرب لهذا الموضوع من أي ميدان آخر
بينما الأصوب أن لا نرى الأولوية لأي اجتهاد إلا في إطار تفنيده لسابقه أو لمخالفه أو تكميله له أو تكامله معه .
فكل يرى من زاويته، والتنوع في الأطروحات يجعل التكامل أنجع وأعمق وأغنى وأوفر..مما جعل الثقافة الإسلامية تعانق كل العلوم بمنطق كل العلوم..مما يلزم بإيجاد أوسع إطار لاحتواء كل التنوعات : أما الإطار الحزبي فهو ضيق على خاصية العلمية، وغالبا ما نسقط به في الإيديولوجيات والإستراتيجيات والديماغوجيات وكل الأساليب الضيقة التي تربطنا بالواقع أكثر من ارتباطنا بالحق.
فنحن إذن بصدد قومة حضارية لايمكن أن تكون مصلحة إلا إذاخاطبنا العالم بأرقى لغاته، مما لايتم إلا في انسجامنا التام مع كل ما وصلت له الإنسانية من علوم،كما تلزم بمخاطبة كل بمنهاجه كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : »خاطبوا الناس على قدر عقولهم » مما يعني التبسيط مع المتعلم والتعمق مع العالم :فلكي تقنع فيلسوفا بقناعتك مثلا بوحدانية الله يجب عليك الإلمام بعدة علوم زيادة على حجية المنطق،كما أن الحوار مع مؤرخ/ملحد يلزمك بالتحليل التاريخي للأحداث بما في ذلك التاريخ الإسلامي، وإلا أقنعك برؤية المستشرقين القائلة بتناقض الواقع الإسلامي مع مبادئ الإسلام...
ولهذا تبقى الثقافة الإسلامية الحقة ثقافة علمية بمعنى الكلمة ،وواعية وملمة بكل أسس وقوائم الثقافات المعاصرة ..ومتفتحة على مستجدات العالم المعاصر جهد المستطاع..ولهذا فإنها لاتهتم بحفظ المعلومات أكثر من اهتمامها بالإقناع بالمبادئ وترسيخ فهم المسلم لنصوص الدين،فمشكلة كبيرة أن نجد من المسلمين من يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، لكنه لايستطيع تأمل آية ..فالأزمة إذن ليست فقط أخلاقية بل كذلك متصلة بارتباطنا الضيق بعلوم القرآن نفسه.ولهذا فإن من شروط المثقف المسلم :
ــ فهمه للقرآن الكريم
ــ علمه بالعلوم اللازمة لعبادته وتعبيد مجتمعه لله وحده
ــ الإلمام بعلاقة الإسلام مع اختصاصه
ــ شغفه بقراءة الفقه والفكر الإسلامي
ــ تفتحه على كل العلوم وعلى الثقافات المعاصرة
مما يعطي لفكره صفة العقل الإستقرائي الناقد ، التي تعد شرطا في كل مصلح حق.
فقراءة الأزمة قراءة سليمة شطر أول وإيجاد بؤرها شطر ثاني قبل أن نتكلم على البديل الذي هو شطر ثالت..مما يلزم الحكمة الكبيرة في الحوار حتى مع الكافر لأن ثقافة الكافر ليست كلها كافرة ..بل هناك من غير المسلمين من تنسجم ثقافتهم بكل جمالية مع الإسلام..واستثمار هذا سيفي بصفة علمية الثقافة الإسلامية كشرط أول في أطروحة أسلمة العلوم قبل الحديث عن إسلامية المعرفة كتيار تعانق كامل بين الإسلام وكل الحقائق. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق